فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا يُوحَى إِلَيْهِمْ}.
هذا رد عليهم في قولهم: {هَلْ هاذآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} وتأنيس لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ أي لم يرسل قبلك إلا رجالًا.
{فاسئلوا أَهْلَ الذكر إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} يريد أهل التوراة والإنجيل الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، قاله سفيان. وسماهم أهل الذكر؛ لأنهم كانوا يذكرون خبر الأنبياء مما لم تعرفه العرب.
وكان كفار قريش يراجعون أهل الكتاب في أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن زيد: أراد بالذكر القرآن؛ أي فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن؛ قال جابر الجعفي: لما نزلت هذه الآية قال عليّ رضي الله عنه نحن أهل الذكر.
وقد ثبت بالتواتر أن الرسل كانوا من البشر؛ فالمعنى لا تبدؤوا بالإنكار وبقولكم ينبغي أن يكون الرسول من الملائكة، بل ناظروا المؤمنين ليبينوا لكم جواز أن يكون الرسول من البشر.
والملك لا يسمى رجلًا؛ لأن الرجل يقع على ما له ضدّ من لفظه؛ تقول: رجل وامرأة، ورجل وصبي؛ فقوله: {إِلاَّ رِجَالًا} من بني آدم.
وقرأ حفص وحمزة والكسائي {نُوحِي إِلَيْهِمْ}.
مسألة:
لم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المراد بقول الله عز وجل: {فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وأجمعوا على أن الأعمى لابد له من تقليد غيره ممن يثق بميزه بالقبلة إذا أشكلت عليه؛ فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لابد له من تقليد عالمه، وكذلك لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا؛ لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم.
قوله تعالى: {وما جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام} الضمير في {جعلناهم} للأنبياء؛ أي لم نجعل الرسل قبلك خارجين عن طباع البشر لا يحتاجون إلى طعام وشراب.
{وما كَانُواْ خَالِدِينَ} يريد لا يموتون.
وهذا جواب لقولهم: {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} [المؤمنون: 33] وقولهم: {مالِ هذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعام} [الفرقان: 7].
و{جسدًا} اسم جنس؛ ولهذا لم يقل أجسادًا.
وقيل: لم يقل أجسادًا؛ لأنه أراد وما جعلنا كل واحد منهم جسدًا.
والجسد البدن؛ تقول منه: تَجسَّد كما تقول من الجسم تَجسَّم.
والجسد أيضًا الزعفران أو نحوه من الصّبغ، وهو الدم أيضًا؛ قال النابغة:
وما هُريقَ على الأنصابِ من جَسَد

وقال الكلبي: والجسد هو المتجسد الذي فيه الروح يأكل ويشرب؛ فعلى مقتضى هذا القول يكون ما لا يأكل ولا يشرب جسمًا.
وقال مجاهد: الجسد ما لا يأكل ولا يشرب؛ فعلى مقتضى هذا القول يكون ما يأكل ويشرب نفسًا؛ ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الوعد} يعني الأنبياء؛ أي بإنجائهم ونصرهم وإهلاك مكذّبيهم.
{وَمَن نشاء} أي الذين صدّقوا الأنبياء. اهـ.

.قال أبو حيان:

ولما تقدم من قولهم {هل هذا إلا بشر مثلكم} وأن الرسول لا يكون إلاّ من عند الله من جنس البشر قال تعالى رادًا عليهم: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالًا} أي بشرًّا ولم يكونوا ملائكة كما اعتقدوا، ثم أحالهم على {أهل الذكر} فإنهم وإن كانوا مشايعين للكفار ساعين في إخماد نور الله لا يقدرون على إنكار إرسال البشر.
وقوله: {إن كنتم لا تعلمون} من حيث إنّ قريشًا لم يكن لها كتاب سابق ولا إثارة من علم.
والظاهر أن {أهل الذكر} هم أحبار أهل الكتابين وشهادتهم تقوم بها الحجة في إرسال الله البشر هذا مع موافقة قريش في ترك الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، فشهادتهم لا مطعن فيها.
وقال عبد الله بن سلام: أنا من أهل الذكر.
وقيل: هم أهل القرآن.
وقال علي: أنا من أهل الذكر.
وقال ابن عطية: لا يصلح أن يكون المسؤول أهل القرآن في ذلك الوقت لأنهم كانوا خصومهم انتهى.
وقيل {أهل الذكر} هم أهل التوراة.
وقيل: أهل العلم بالسير وقصص الأمم البائدة والقرون السالفة، فإنهم كانوا يفحصون عن هذه الأشياء وإذا كان {أهل الذكر} أريد بهم اليهود والنصارى فإنهم لما بلغ خبرهم حد التواتر جاز أن يسألوا ولا يقدح في ذلك كونهم كفارًا.
وقرأ الجمهور: يوحي مبنيًا للمفعول.
وقرأ طلحة وحفص {نوحي} بالنون وكسر الحاء و{الجسد} يقع على ما لا يتغذى من الجماد.
وقيل: يقع على المتعذي وغيره، فعلى القول الأول يكون النفي قد وقع على {الجسد} وعلى الثاني يكون مثبتًا، والنفي إنما وقع على صفته ووحد الجسد لإرادة الجنس كأنه قال: ذوي ضرب من الأجساد، وهذا رد لقولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام، وهذه الجملة من تمام الجواب للمشركين الذين قالوا {هل هذا إلاّ بشر مثلكم} لأن البشرية تقتضي الجسمية الحيوانية، وهذه لابد لها من مادة تقوم بها، وقد خرجوا بذلك في قولهم {هل هذا إلاّ بشر مثلكم} يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون، ولما أثبت أنهم كانوا أجسادًا يأكلون الطعام بين أنهم مآلهم إلى الفناء والنفاد، ونفى عنهم الخلود وهو البقاء السرمدي أو البقاء المدة المتطاولة أي هؤلاء الرسل بشر أجساد يطعمون ويموتون كغيرهم من البشر، والذي صاروا به رسلًا هو ظهور المعجزة على أيديهم وعصمتهم من الصفات القادحة في التبليغ وغيره.
{ثم صدقناهم الوعد} ذكر تعالى سيرته مع أنبيائه فكذلك يصدق نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما وعدهم به من النصر وظهور الكلمة، فهذه عدة للمؤمنين ووعيد للكافرين و{صدقناهم الوعد} من باب اختار وهو ما يتعدى الفعل فيه إلى واحد وإلى الآخر بحرف جر، ويجوز حذف ذلك الحرف أي في {الوعد} وهو باب لا ينقاس عند الجمهور، وإنما يحفظ من ذلك أفعال قليلة ذكرت في النحو ونظير {صدقناهم الوعد} قولهم: صدقوهم القتال وصدقني سن بكره وصدقت زيدًا الحديث و{من نشاء} هم المؤمنون، والمسرفون هم الكفار المفرطون في غيهم وكفرهم، وكل من ترك الإيمان فهو مفرط مسرف وإنجاؤهم من شر أعدائهم ومن العذاب الذي نزل بأعدائهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقوله عز وجل: {وما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا}.
جوابٌ لقولهم: هل هذا إلا بشر؟..إلخ، متضمنٌ لردّ ما دسّوا تحت قولهم: كما أُرسل الأولون من التعريض بعدم كونِه عليه السلام مثلَ أولئك الرسلِ صلوات الله تعالى عليهم أجمعين، ولذلك قُدّم عليه جوابُ قولهم: فليأتنا بآية ولأنهم قالوا ذلك بطريق التعجيزِ فلابد من المسارعة إلى رده وإبطالِه كما مر في تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله إِن شَاء وما أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} وقوله تعالى: {مَا نُنَزّلُ الملائكة إِلاَّ بالحق وما كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ} ولأن في هذا الجواب نوعَ بسطٍ يُخِل تقديمُه بتجاوب أطرافِ النظم الكريم، والحقُّ أن ما اتخذوه سببًا للتكذيب موجبٌ للتصديق في الحقيقة لأن مقتضى الحكمةِ أن يُرسلَ إلى البشر البشرُ وإلى الملَك الملَكُ حسبما ينطِق به قوله تعالى: {قُل لَوْ كَانَ في الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولًا} فإن عامةَ البشر بمعزل من استحقاق المفاوضةِ الملَكية لتوقّفها على التناسب بين المُفيض والمستفيض، فبعثُ الملَكِ إليهم مزاحِمٌ للحكمة التي عليها يدور فلكُ التكوينِ والتشريع، وإنما الذي تقتضيه الحكمةُ أن يبعث الملكُ منهم إلى الخواصّ المختصّين بالنفوس الزكية المؤيَّدين بالقوة القدسية المتعلّقين بكلا العالَمَين الروحانيِّ والجُسماني ليتلقَّوا من جانب ويُلْقوا إلى جانب آخرَ، وقوله تعالى: {نُّوحِى إِلَيْهِمْ} استئنافٌ مبينٌ لكيفية الإرسالِ وصيغةُ المضارعِ لحكاية الحالِ الماضية المستمرةِ، وحُذف المفعولُ لعدم القصدِ إلى خصوصه، والمعنى وما أرسلنا إلى الأمم قبلَ إرسالك إلى أمتك إلا رجالًا مخصوصين من أفراد الجنسِ مستأهلين للاصطفاء والإرسال نوحي إليهم بواسطة الملَك ما نوحي من الشرائع والأحكام وغيرهما من القصص والأخبار، كما نوحي إليك من غير فرقٍ بينهما في حقيقة الوحي وحقيقةِ مدلولِه حسبما يَحكيه قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ والنبيين} إلى قوله تعالى: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيمًا} كما لا فرقَ بينك وبينهم في البشرية فما لهم لا يفهمون أنك لست بدْعًا من الرسل وأن ما أُوحيَ إليك ليس مخالفًا لما أوحيَ أليهم فيقولون ما يقولون، وقرىء يوحى إليهم بالياء على صيغة المبني للمفعول جريًا على سَنن الكبرياءِ وإيذانًا بتعين الفاعل وقوله تعالى: {فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى الكفرة لتبكيتهم واستنزالِهم عن رتبة الاستبعادِ والنكير إثرَ تحقيق الحقِّ على طريقة الخطابِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه الحقيقُ بالخطاب في أمثال تلك الحقائقِ الأنيقةِ، وأما الوقوفُ عليها بالاستخبار من الغير فهو من وظائف العوامِّ، والفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وجوابُ الشرط محذوفٌ ثقةً بدلالة المذكورِ عليه أي إن كنتم لا تعلمون ما ذُكر فاسألوا أيها الجهلةُ أهلَ الكتاب الواقفين على أحوال الرسلِ السالفةِ عليهم السلام لتزول شبهتُكم. أُمروا بذلك لأن إخبارَ الجمِّ الغفير يوجب العلمَ لاسيما وهم كانوا يشايعون المشركين في عداوته عليه السلام ويشاورونهم في أمره عليه السلام، ففيه من الدِلالة على كمال وضوحِ الأمر وقوةِ شأنِ النبي عليه السلام ما لا يخفى.
{وما جعلناهم جَسَدًا} بيان لكون الرسل عليهم السلام أُسوةً لسائر أفراد الجنسِ في أحكام الطبيعةِ البشرية إثرَ بيانِ كونهم أسوةً في نفس البشرية، والجسدُ جسمُ الإنسانِ والجنِّ والملائكة، ونصبُه إما على أنه مفعولٌ ثانٍ للجعل لَكِن لا بمعنى جعلِه جسدًا بعد أن لم يكن كذلك كما هو المشهورُ من معنى التصيير، بل بمعنى جعله كذلك ابتداءً على طريقة قولهم: سبحان من صغّر البعوضَ وكبر الفيل، كما مر في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا الليل والنهار ءايَتَيْنِ} وإما حالٌ من الضمير والجعلُ إبداعيٌّ وإفرادُه لإرادة الجنس المنتظمِ للكثير أيضًا، وقيل: بتقدير المضافِ أي ذوي جسدٍ وقوله تعالى: {لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام} صفةٌ له أي وما جعلناهم جسدًا مستغنيًا عن الأكل والشرب بل محتاجًا إلى ذلك لتحصيل بدَلِ ما يتحلل منه {وما كَانُواْ خالدين} لأن مآلَ التحلّلِ هو الفناءُ لا محالة، وفي إيثار ما كانوا على ما جعلناهم تنبيهٌ على أن عدمَ الخلود مقتضي جِبِلّتِهم التي أشير إليها بقوله تعالى: {وما جعلناهم}..إلخ، لا بالجعل المستأنَف والمرادُ بالخلود إما المكثُ المديدُ كما هو شأنُ الملائكة أو الأبدية وهم معتقدون أنهم لا يموتون، والمعنى جعلناهم أجسادًا متغذّيةً صائرةً إلى الموت بالآخرة على حسب آجالِهم لا ملائكةً ولا أجسادًا مستغنيةً عن الأغذية مصونةً عن التحلل كالملائكة فلم يكن لها خلودٌ كخلودهم، فالجملةُ مقرّرةٌ لما قبلها من كون الرسلِ السالفةِ عليهم السلام بشرًّا لا ملَكًا مع ما في ذلك من الرد على قولهم: ما لهذا الرسولِ يأكل الطعامَ.
وقوله تعالى: {ثُمَّ صدقناهم الوعد} عطفٌ على ما يفهم من حكاية وحْيِه تعالى إليهم على الاستمرار التجدّدي كأنه قيل: أوحينا ثم صدقناهم في الوعد الذي وعدناهم في تضاعيف الوحي بإهلاك أعدائِهم {فأنجيناهم وَمَن نشاء} من المؤمنين وغيرهم من تستدعي الحكمةُ إبقاءَه كمن سيؤمن هو أو بعضُ فروعِه بالآخرة، وهو السرُّ في حماية العرب من عذاب الاستئصال {وَأَهْلَكِنا المسرفين} أي المجاوزين للحدود في الكفر والمعاصي. اهـ.

.قال الألوسي:

{وما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ}.
جواب لما زعموه من أن الرسول لا يكون إلا ملكًا المشار إليه بقولهم {هل هذا إلا بشر مثلكم} [الأنبياء: 3] الذي بنوا عليه ما بنوا فهو متعلق بذلك وقدم عليه جواب قولهم: {شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا} [الأنبياء: 5] لأنهم قالوا ذلك بطريق التعجيز فلابد من المسارعة إلى رده وإبطاله ولأن في هذا الجواب نوع بسط يخل تقديمه بتجاوب النظم الكريم، وقوله تعالى: {نُّوحِى إِلَيْهِمْ} استئناف مبين لكيفية الإرسال، وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية المستمرة وحذف المفعول لعدم القصد إلى خصوصه، والمعنى ما أرسلنا إلى الأمم قبل ارسالك إلى أمتك إلا رجالًا لا ملائكة نوحي إليهم بواسطة الملك ما نوحي من الشرائع والأحكام وغيرهما من القصص والأخبار كما نوحي إليك من غير فرق بينهما في حقيقة الوحي وحقية مدلوله كما لا فرق بينك وبينهم في البشرية فما لهم لا يفهمون أنك لست بدعا وإن ما أوحى إليك ليس مخالفًا لما أوحى إليهم فيقولون ما يقولون.
وقال بعض الأفاضل: إن الجملة في محل النصب صفة مادحة لرجالًا وهو الذي يقتضيه النظم الجليل، وقرأ الجمهور: {يُوحِى إِلَيْهِمُ} بالياء على صيغة المبني للمفعول جريًا على سنن الكبرياء وإيذانًا بتعين الفاعل، وقوله تعالى: {فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} تلوين للخطاب وتوجيه له إلى الكفرة لتبكيتهم واستنزالهم عن رتبة الاستبعاد والنكير أثر تحقيق الحق على طريقة الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه الحقيق بالخطاب في أمثال تلك الحقائق الأنيقة، وأما الوقوف عليها بالسؤال من الغير فهو من وظائف العوام وأمره صلى الله عليه وسلم بالسؤال في بعض الآيات ليس للوقوف وتحصيل العلم بالمسؤول عنه لأمر آخر، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وأهل الذكر أهل الكتاب كما روي عن الحسن وقتادة وغيرهما، وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة المذكور عليه أي إن كنتم لا تعلمون ما ذكر فاسألوا أيها الجهلة أهل الكتاب الواقفين على أحوال الرسل السالفة عليهم الصلاة والسلام لتزول شبهتكم، أمروا بذلك لأن اخبار الجم الغفير يفيد العلم في مثل ذلك لاسيما وهم كانوا يشايعون المشركين في عداوته صلى الله عليه وسلم ويشاورونهم في أمره عليه الصلاة والسلام ففيه من الدلالة على كمال وضوح الأمر وقوة شأن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى، وعن ابن زيد أن أهل الذكر هم أهل القرآن.
ورده ابن عطية بأنهم كانوا خصومهم فكيف يؤمرون بسؤالهم، ويرد ذلك على ما زعمته الامامية من أنهم آله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الكلام في ذلك.